الاثنين، 4 مارس 2019

دراسة مختصرة عن أثر " حق عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ" وبيان دلالته

دراسة مختصرة عن أثر " حق عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ" وبيان دلالته

دراسة مختصرة عن أثر " حق عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ" وبيان دلالته

دراسة مختصرة عن أثر " حق عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ" وبيان دلالته

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد
ورد عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أثر في مسألة الإمام ووجوب أن يحكم بما أنزل الله فإن فعل ذلك وجب على الرعية السمع والطاعة, والأثر صحيح السند والحمد لله, وسيظهر ذلك مع توضيح دلالة الأثر ومفهومه
أولًا :الأثر من حيث السند
عن مصعب بن سعد قال قال علي رضي الله عنه:" كَلِمَاتٌ أَصَابَ فِيهِنَّ: حَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ , وَأَنْ يُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ , فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْمَعُوا وَيُطِيعُوا وَيُجِيبُوا إِذَا دُعُوا"
وقد أخرجه كل من
الطبري في تفسيره 8/490 ط البيان, التفسير من سنن سعيد بن منصور رقم 651 ط دار الصميعي,وتفسير ابن المنذر رقم 1922 ط دار المآثر, السنة للخلال رقم 51 ط الفاروق, مصنف بن أبي شيبة رقم32532 ط الرشد, الأموال لابن زنجويه ص 71
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره رقم 5520 ط نزار مصطفى الباز دون لفظ "كَلِمَاتٌ أَصَابَ فِيهِنَّ "
وقد أخرجه الجميع عن طريق إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه
فقد أخرجه الطبري من طريق عبد الله بن إدريس وجابر بن نوح, وأما ابن أبي حاتم فمن طريق الحسن بن صالح, أما ابن أبي شيبة والخلال فمن طريق وكيع, وأما ابن زنجويه فمن طريق يعلى بن عبيد, وابن المنذر وسعيد بن منصور من طريق مروان بن معاوية, جميعهم عن إسماعيل بن أبي خالد به نحوه
وقال محقق التفسير من سنن سعيد بن منصور وهو الدكتور سعد بن عبد الله آل حميد سنده صحيح
وقد أعله الحسن بن عباس بن قطب محقق السنة للخلال ط الفاروق بالانقطاع بين مصعب بن سعد وعلي رضي الله عنه ونقل عن العلائي قال قال أبو زرعة لم يسمع من علي كما في جامع التحصيل في أحكام المراسيل صلاح الدين العلائي ص 280 ط عالم الكتب ونقله عن ابن أبي حاتم من كتابه المراسيل صفحة206 ط الرسالة قال :"قال أبو زرعة مصعب بن سعد لم يسمع من علي"

وقد تمسك المرجئ عبدالعزيز الريس بقول أبي زرعة في مقال له بعنوان وقفات ثمانية مع حلقة غلاة الطاعة على موقعه
ولكن قد اثبتَ سماع مصعب من علي كل من
1- ابن سعد رحمه الله قال :"مصعب بن سعد بن أبي وقاص, وقد روى عن علي ونزل الكوفة وتوفي بها سنة ثلاث ومائة, وروى عنه إسماعيل بن أبي خالد وغيره. وكان ثقة كثير الحديث." [الطبقات الكبرى ط دار الكتب العلمية ترجمة رقم 2216 ]
2- البخاري رحمه الله قال :"مصعب بن سعد أبو زرارة القرشي الزهري سمع أباه وعلي بن أَبي طالب وابن عمر قاله محمَّد بن مثنى عن ابن مهدي عن شُعبة عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد أنّه أدرك أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم"[التاريخ الكبير ترجمة رقم 1514]
ونلاحظ هنا أن البخاري رحمه الله نقل سماع مصعب من الصحابة بإسنادٍ ومن بينهم علي رضي الله عنه
3- أبوحاتم الرازي رحمه الله قال ابنه:"مصعب بن سعد بن أبي وقاص مالك أبو زرارة القرشي الزهري مديني روى عن علي وأبيه وابن عمر روى عنه أبو إسحاق السبيعي وعاصم وسماك وإسماعيل بن أبي خالد، مات سنه ثلاث ومائة سمعت أبي يقول ذلك." [الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ترجمة رقم 1403 ط العثمانية ]
4- مسلم بن الحجاج رحمه الله قال: "أبو زرارة مصعب بن سعد بن أبي وقاص سمع أباه وعليًا وابن عمر روى عنه أبو إسحاق وسماك وعاصم وعبد الملك بن عمير."[ الكنى والأسماء 1/349 ط الجامعة الإسلامية]
5- ابن حبان رحمه الله قال:"مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري القرشي كنيته أبو زرارة يروي عن علي بن أبي طالب وطلحة وابن عمر روى عنه أبو إسحاق السبيعي وعاصم بن بهدلة مات سنة ثلاث ومائة" [ الثقات لابن حبان ترجمة رقم 5456 ط الهند ]
6- الذهبي قال: " مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني. وكان فاضلًا كثير الحديث.روى عن علي والكبار " [العبر في خبر من غبر 1/95 ط دار الكتب العلمية ]
8- المزي رحمه الله قال : " مصعب بن سعد بن أَبي وقاص القرشي الزهري، أبو زرارة المدني والد زرارة بْن مصعب, روى عن: أبيه سعد بن أَبي وقاص، وصهيب بن سنان، وطلحة بن عُبَيد الله، وعبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، وعدي بن حاتم، وعكرمة بن أَبي جهل، وعلي بن أَبي طالب" [تهذيب الكمال 28/24 ط الرسالة ]
9- ابن حجر العسقلاني قال:" مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني أبو زرارة المدني عن أبيه وعلي وغيرهما وعنه ابن أخيه إسماعيل بن محمد وطلحة بن مصرف" [لسان الميزان 7/495]
فلم ينكر سماع مصعب من علي إلا أبا زرعة رحمه الله, بل أثبت السماع من كان ملاصقًا له وهو أبو حاتم الرازي رحمه الله, والمثبت مقدم على النافي لزيادة علم عنده كما أن مصعبًا رحمه الله كان يسكن الكوفة وقد سكنها علي رضي الله عنه خلال فترة خلافته فقد كانت مقرها الكوفة, إذًا فاللقاء بينهما والسماع منه سهل وميسر
وقد ثبت عن مصعب رضي الله عنه أنه قال:"أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين شقق عثمان المصاحف" قال: "فأعجب"أو قال:لم يعب ذلك منهم أحد"[ البخاري في خلق أفعال العباد, وابن أبي داود في كتاب المصاحف]
فإذا كان قد ثبت أن عثمان شق المصاحف, فقد أعجب الصحابة بما فعل عثمان ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين فقد جاء عنه:"يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله، ما فعل الذي فعل في المصاحفِ إلا عن ملأ منا جميعًا، قال: واللهِ لو وليت لفعلت مثل الذي فعل"[ابن أبي داود في كتاب المصاحف-وصحح ابن حجر اسناده-الفتح]
فيُفهم من هذين النقلين متابعة مصعب لعلي بن أبي طالب وقربه منه حتى أنه ينقل إعجابه من فعل عثمان رضي الله عنه
فالأثر إن شاء الله صحيح ولا مطعن فيه إلا ما جاء عن أبي زرعة وقد خالفه غيره من علماء الحديث منهم من سابقه ومنهم من عاصره وكان ملاصقًا ومصاهرًا له, بل نُقل هذا السماع بإسنادٍ كما عند البخاري رحمه الله
وقد ثبت الأثر بلفظ السماع من رواية ابن خزيمة رحمه الله من كتاب السياسة والتي نقلها ابن حجر في إتحاف المهرة [ 11/627] قال ابن خزيمة :" ثنا عبدة بن عبد الله، ثنا محمد يعني : ابن بشر، عن إسماعيل، هو ابن أبي خالد، عن مصعب بن سعد، سمعت عليًا على المنبر, بهذا قوله"
وإسناد ابن خزيمة صحيح
1- عبدة بن عبدالله الصفار الخزاعي
قال ابن حجر في التقريب :" عبدة ابن عبد الله الصفار الخزاعي أبو سهل البصري كوفي الأصل ثقة من الحادية عشرة مات سنة ثمان وخمسين وقيل في التي قبلها "
2- محمد بن بشر
قال ابن حجر في التقريب :" محمد ابن بشر العبدي أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ من التاسعة مات سنة ثلاث ومائتين "
قال عنه الذهبي في السير :" محمد بن بشر بن الفرافصة بن المختار بن رديح العبدي الحافظ، الإمام، الثبت، أبو عبد الله العبدي، الكوفي...ثم ذكر من حدث عنهم ومنهم إسماعيل بن أبي خالد "
ورواية عبدة بن عبدالله الخزاعي عن محمد بن بشر تكررت كثيرًا عند ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه فعلي سبيل المثال الأرقام ( 88-256-1425-2244 )
وقد ولد ابن بشر في خلافة هشام بن عبدالملك [سير أعلام النبلاء] التي استمرت من عام 105 إلى 125 أي إن عمره يدور ما بين العشرين إلى الأربعين عندما سمع من إسماعيل بن أبي خالد الآتي ذكره
3- وإسماعيل بن أبي خالد
قال ابن حجر في التقريب :" إسماعيل ابن أبي خالد الأحمسي مولاهم البجلي ثقة ثبت من الرابعة مات سنة ست وأربعين "
قال عنه سفيان :" حفاظ الناس ثلاثة : إسماعيل بن أبي خالد, وعبد الملك بن أبي سليمان, ويحيى بن سعيد الأنصاري, وإسماعيل أعلم الناس بالشعبي وأثبتهم فيه."
فالأثر صحيح والحمد لله رب العالمين

ثانيًا : الأثر من حيث الدلالة
بدأ الأثر بلفظة "حق" وهي من الألفاظ التي تفيد الوجوب, فكل ما يندرج تحت لفظة "حق " فهو واجب القيام به قال ابن القيم رحمه الله :" ويستفاد الوجوب بالأمر تارة، وبالتصريح بالإيجاب والفرض والكتب، ولفظة "على"، ولفظة "حق" على العباد، وعلى المؤمنين، وترتيب الذم والعقاب على الترك، وإحباط العمل بالترك، وغير ذلك" [ بدائع الفوائد 4/1307 ط عالم الفوائد ]
وعليه فقد دل الأثر على عدة أمور
أ- وجوب الحكم بما أنزل الله
ب- وجوب أداء الأمانة
ج- وجوب السمع والطاعة للحاكم الذي يحكم بما أنزل الله, وإجابة دعوته
د- اشتراط السمع والطاعة للحاكم مقيد بأن يحكم بما أنزل الله, وهو ما يسمى عند الأصوليين مفهوم المخالفة1, وهو المعنى المستفاد أو المفهوم من اللفظ المخالف لمنطوق النص
وقد دل الأثر على حكمين وهما 1- وجوب تحكيم شرع الله 2-وجوب السمع والطاعة وقد عُلِّق القيام بالحكم الثاني بأن يأتي الإمام بالحكم الأول وذلك بأداة الشرط في قوله" فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ",فيفهم وحسب مفهوم المخالفة إنه لا سمع ولا طاعة إن لم يحكم بما أنزل الله
ومن أشهر أدلة دليل مفهوم المخالفة قوله تعالى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (80) سورة التوبة
فهذه الآية فهمَ منها النبيُ صلى الله عليه وسلم أن الاستغفار فوق السبعين يغفر به للمنافقين"والخبر في البخاري ومسلم

--------------------------------

1- يسمى مفهوم المخالفة ب "دليل الخطاب " لأن الخطاب دل عليه, وهو أقسام ,والقسم الذي جاء به الأثر هو مفهوم الشرط وتعريفه "هو دلالة اللفظ المفيد لحكم معلق بشرط على ثبوت نقيضه عند إنتفاء الشرط, أي إن التعليق بالشرط يوجب وجود الحكم عند وجود الشرط, ويوجب عدم الحكم عند عدم الشرط" [الوجيز في أصول الفقه لعبدالكريم زيدان ص367 ]واللفظ المفيد لحكم معلق في الأثر هو حكم السمع والطاعة وعُلقَ بشرطٍ وهو الحكم بما أنزل الله فإن انتفى الشرط ثبت نقيض اللفظ المفيد وهو هنا عدم السمع والطاعة
ويعرفه عبدالله الجديع هداه الله:"هو أن يدلَّ اللَّفظُ المقيَّدُ بشرطٍ على ثبوتِ نقيضهِ عندَ انتِفاءِ الشَّرطِ."تيسيرُ علم أصول الفقه ص318 وهنا اللفظ المقيد بشرط "السمع والطاعة " ويثبت نقيضه "عدم السمع والطاعة " عند انتفاء الشرط " الحكم بما أنزل الله "




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة ل مدونة سبيل الرشد 2016